من أين تأتي أفكار المشاريع الرائعة؟

عندما ننظر من حولنا فإن المشاريع العملاقة التي تحيط بنا ما هي إلا افكار لمعت في عيون المؤسسين وتلاها جهد وعمل وايمان حقيقي بالفكرة حتى اصبحت ما عليه الآن، فإن النظر إلى قوقل أو فيسبوك أو أوبر أو مايكروسوفت أو خدمة تحديد الموقع أو أي نشاط تجاري آخر ناجح وفريد من نوعه لم يكن إلا فكرة في رأس المؤسسين لا اكثر، مثلا في صيف عام 1895 وقف جوليت بعد يوم عمل طويل ينظر طويلاً إلى شفرة حلاقته الثقيلة التي اجهدت يديه كثيراً وقال مقولته الشهيرة " في تلك الحظة فقط شاهدت ولادة ماكينات حلاقة جوليت، في تلك اللحظة فقط، كانت كما لطير يستقر على عشه ".
كان ما رآه جوليت في تلك اللحظة مجرد فكرة تلتها ست سنوات من العمل الشاق والجهد حتى أصبح أو نموذج من شفرات جوليت جاهزة كنموذج أولي، وليستغرق الوقت عقداً آخر حتى يتطور المنتج ليصبح شفرة الحلاقة التي نعرفها اليوم، كم من الأشخاص لمعت لديهم فكرة ذكية في يوم من الأيام، لا ابالغ أن أقول أغلب الناس يفكرون بأشياء جيدة كل يوم ولكن السؤال كم شخص من هؤلاء الأشخاص آمن بفكرته وقام بالعمل عليها وتطويرها لتصبح بعد ذلك علامة نجاح فارقة في عالم الأعمال، لا أضن أن النسبة تتعدة 0.001% أو ربما أقل!
تشير التجارب أن لحظات التحول تحدث عند معظم رجال الأعمال ولكن بطريقة مختلفة عن تجربة كينج جوليت صيف عام 1895.
لحظات الوضوع
عندما يقف رجال الأعمال "مندهشين من الصاعقة" نادراً ما يلاحظوا أن هنالك ماكنات حلاقة استخدام واحد أو فورد طراز T او هواتف ايفون في أذهانهم، من المرجح أن تنكشف لحظة الوضوح لديهم بنفس الشيء من العمق ولكن بأقل واقعية، ربما يكون هذا الشيء غير مكتشف، أو اتجاه جديد قد يتخذه عملهم، أو ربما لمحة عن مستقبلهم المهني، وأحياناً تكون هذه التحولات أقل متعة من الطيور التي تستقر على أعشاشها على حد وصف جوليت.
بالنسبة لجين براونهيل، الرئيس التنفيذي لشركة سويتن Sweeten حدثت هذه اللحظة خلال الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر، تستذكر براونهيل قائلة " كنت قادماً عبر جسر منهاتن على متن القطار، وقد رأينا أو مبنى يحترق، ثم شاهدنا اصطدام الطائرة الثانية وأنا جالس في الأنبوب الفولاذي لا استطيع الخروج منه" كانت براونهيل مهندسة معمارية وقضت الكثير من سنوات حياتها في تعلم كيفية زيادة كفائة المباني ولم تكن تملك ادنى فكرة عن الأسباب الإقتصادية أو السياسية التي أدت إلى حدوث مثل هذا العمل الإرهابي، فقررت براونهيل أن تدرس الإقتصاد والسياسة وتتعمق بها عن طريق التعليم الذاتي وهو الأمر الذي يقودها بعيداً عن الهندسة المعمارية إلى حياة جديدة لتتفوق كرائة أعمال تركز على بناء المجتمع.
ألفريد بريتشارد سلون رجل أعمال آخر استرجع لحظة وضوح غير سارة كذلك في مذكراته ولكانها غير مساره الوظيفي، قبل أن يصبح مديراً تنفيذياً لشرك جنرال موتور الأمريكية، كان يمتكل سلون شركة للمزالق الاسطوانية Roller Bearing يجهزها إلى معامل الغزل والنسيج عندما شاهد سلون أحد عملائة وهو يحول مسار عمله بالكامل من النسيج إلى صناعة الأسلحة وهو هنري ليلاند ويسمي معمله Colt فجائت لحظة التحول لدى سلون وقام بتحويل معمله المتواضع إلى معمل انتاج سيارات وقرر اطلاق اسم "كاديلاك" على سيارته الجديدة.
لم يفكر سلون كثيراً رغم تخليه عن موقع مرموق في واحدة من كبريات الشركات الأمريكية ولم يقم بالتخوف من عواقب هذا القرار لإنه كان يرى أو طراز من كاديلاك في تلك اللحظة، على الرغم من الممانعات والإعتراضات التي حصل عليها سلون من قبل هيئة المحامين الذين كان يعملون معه.
كتب سلون لاحقاً " كنت مهندساً وصانعاً ومديراً بارعاً لدى جنرال موتور، ولكن بعد ما قلت لهم وداعاً حاولت أو أحول كل ما أكتسبته منهم في الحصول على دقة في الأعمال وقد أكون متعصباً بعض الشيء في هذا المجال في مسار عمل معملي" والذي سيصبح في وقت قريب هذا التعصب عبارة عن أنجيل تقتدي به كاديلاك في عالم السيارات.
صغيرة وشخصية
في الكثير من الأحيان تلمع الفكرة في رؤسنا إلا انها قد لا تكون فكرة عن انشاء شركة معينة أو منتج يغير نظرة العالم أو اشياء من هذا القبيل بل قد تكون لحظة الوضوح هذه مختصرة على شخصنا فقط دون اي شيء آخر فإنك عندما تقوم بتجربة شيء جديد وتشعر أن هذا هو الشيء الذي كان يجب أن تفعله من زمان عليك أن تفعها وتتقنه، كما في حالة المحامية الناشطة إميلي روشون، في وقت مبكر من حياتها المهنية قبلت روشون وظيفة في واشنطن العاصمة لصالح منظمة عدالة الأرض Earthjustice وهي منظمة غير ربحية تدافع عن القوانين التي تتعلق بالبيئة.
عندما أصدر مجلس الشيوخ قانون يناهض البيئة، احتجت المنظمة وحاولت الضغط على السيناتور لينكولن شافي لكي يوقف اصدار القانون، فكان لابد روشون أن تذهب إلى السيناتور في مبنى مجلس الشيوخ، كتبت روشون فيما بعد "بعد أن وطئت قدمي ذلك المبنى ملأت الدموع عيناي وفركت في داخلي، هذا هو المكان الذي يجب أن أكون فيه لبقية حياتي نظرت إلى السناتور شافي وقلت له مذا يجب أن أفعل الآن، أريد أن اكون شخصية سياسية أريد أن أكون داعية للسلام"، تبوئت روشون بعدها مناصب مرموقة في مجلس الشيوخ الأمريكي.
كانت لحظة الوضوح لـ كيت سينكوتا خبيرة الطيران في وكالة ناسا عندما قرر صديقها قضاء نهاية الأسبوع في المكسيسك حيث تكتب قائلة " لقد كانت لحظات فارقة في تغير مساري المهني فأنا أحضى بوظيفة يحلم بها الكثير ولكن مالذي سوف أقدمه للبشرية هذا ليس مكاني" وقامت كيت بتأسيس شركة ساها كلوبل Saha Global لتقوم بتدريب ورعاين أكثر من 500 سيدة أعمال في المناطق الريفية حول العالم وأطلقت ما يقارب 200 مشروع مختص بتوفير المياه للمناطق المحرومة حيث غذت ما يقارب مائة الف شخص، والذي جعلها تحصل على ما يقارب المليار دولار امريكي كمساعدات على انشطتها الخيرية.
هنالك الكثير من النماذج التي لا حصر لها من هذه اللحظات الفارقة في حياة الكثيرين والتي قد تمر علينا مرور الكرام دون حتى التفكير بها لوقت كاف علاوة على بذل مجهود لتنفيذها.
لذلك عندما تلاحظ هنالك رجل أعمال جاء بفكرة لربما تكون غريبة عليك في اللحظات الأولى ولكنك مجرد لم تنظر إلى المشكلة بمنظور مختلف فإن شركة أوبر كانت عبارة عن فكرة لدى فريق العمل لتوظيف سائقي التاكسي في الولايات المتحدة حتى وصلوا إلى طريق غير مفهوم سيارات الآجرة على كوكب الأرض إلى الأبد.
سنان عدنان
الخبير التسويقي في جامعة هاغاهليا ـ فنلندا
جميع الحقوق محفوظة لشركة بروسبكتس